“السماء زرقاء” أو “الشمس تشرق وتغرب كل يوم” أو “الماء سائل”. هذه جمّل قد تبدو أنها تعبّر عن حقائق معينة لكنها في الواقع بعض الأمثلة عن الوهم البشري بأننا نفهم ما حولنا ضمن منظور موضوعي.
جميع معارفنا وحقائقنا وفهمنا للأمور يعتمد بشكل أساسي على منظورنا البشري للأمور. لا يوجد شيء اسمه حقيقة كونية طالما أننا غير قادرين على رصد كل المعلومات المتوفرة في الكون.

كثيراً ما اقرأ أسئلة مثل “لماذا يتجه سهم الوقت باتجاه واحد؟” أو “كيف تطورت الثدييات؟” وغيرها من الأسئلة التي تبدو وكأنها تحاول الإجابة على شيء لكنها في الواقع تسبح ضمن مضمار معارف تم تصنيفها “بشرياً” على أنها حقائق وبالتالي هي لن تجيب عن أسئلة حقيقة موضوعية.

مثلاً، الوقت ليس له اتجاه. الوقت عبارة عن توصيف لشعورنا غير الموضوعي حول أين كنّا وأين ممكن أن نكون ضمن سياق الأنتروبي الذي نتفاعل معه فيزيائياً. في الواقع لا يوجد ماضي ولا يوجد مستقبل. يوجد الأن فقط وأنت ترسم قوالب ذهنيه تفسر فيها تجاربك. تخزن فيها أحداث حصلت وتحاول توقع أحداث ممكن أن تحصل لكن لا وجود فيزيائي للزمن وبالتالي السؤال حول سهم الزمن ليس سؤال حقيقي.

انت تعيش دائماً الأن.

“الثدييات” ليس إلا تصنيف لغوي نحن وضعناه لبعض الكائنات الحية التي وجدنا أنها تتشارك ببعض المواصفات فيما بينها، لكن لا يوجد في الكون شيء اسمه ثدييات على أساس كيان محدد يختلف عن الكيانات الأخرى. هذه الطريقة بالتفكير ناتجة عن اعتماد التفكير الخلقي حيث يوجد إيطار محدد لكل شيء بحكم أنه مصنوع. هذه شجرة وهذه نحلة وهذا حوت وتلك سمكة.

“أنواع البكتريا” أقرأ هذه العبارة كثيراً لكن إذا ما توقفنا عندها قليلاً وفهمنا ماهية البكتريا وكيف تتكاثر وتتناقل الجينات فيما بينها بشكل افقى سنكتشف أن عبارة “أنواع بكتريا” لا تعني شيء بشكل موضوعي، فقط عبارة عن جملة تستخدم بشرياً للتعبير عن وجود اختلافات بين البكتريا.

السماء ليست زرقاء وإنما الدماغ البشري يحلل تردادات الضوء المنعكس في الغلاف الجوي على شكل “لون أزرق”. الشمس لا تشرق ولا تغرب وإنما نحن (كوكب الأرض) من يدو فتبدو لنا وكأنها تتحرك.

الماء ليس كيان محدد بحد ذاته وإنما ذرتين من الهيدروجين مع ذرة من الأوكسجين ضمن درجة حرارة محددة ليكون سائل، لكن إن انخفضت درجة الحرارة قليلاً يصبح جليد أو يصبح غاز إن ارتفعت درجة الحرارة. في الواقع هو لم يتغير على المستوى الذري (فقط اختلاف في حركة الكتروناته) لكن من منظور بشري اختلف شكل الماء ليصبح جليد (تفكير خلقي مصنوع) وبالتالي صرنا نتعامل مع الحالتين المختلفتين لهذا الجزيء وكأنهما كيانين منفصلين. نحن نطلق اسم “ماء” على هذا الجزيء في حالته السائلة وكأن بقية الجزيئات الكيمائية ليس لها حالة سائلة. لماذا لا يوجد اسم للنيتروجين السائل LN2؟

في الواقع المنهج العلمي يحاول أن يفكك التحيّز البشري في فهم الأمور ويعمل على بناء قوالب معرفية أكثر حيادية قدر المستطاع. لكن ليس مضمون أن نستطيع تحليل كل شيء بشكل مبسط ينسجم مع العقل البشري.

الكون ليس مدين لنا بتفسير.

Aya
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع CN Help .

جديد قسم :

إرسال تعليق